تحت أقدام الأمهات تحت أقدام الأمهات discussion


60 views
مقطع من الرواية

Comments Showing 1-8 of 8 (8 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by بثينة (new) - added it

بثينة العيسى
.. في جيبي قطعة شوكولاتة ملفوفة بقرطاسٍ أصفرٍ لمّاع .. يلمعُ يلمعُ! كلما أخرجتُ قطعة الشوكولاتة من جيبي وتأملتها شعرتُ بالدغدغة في قلبي، وأنا أرى الضوء يرقصُ على القرطاس ويعبئ حياتي بالبريق، وفمي بالعذوبةِ الداكنة، ورأسي بالسّكر والأحلامِ والكركرة، وكنتُ أعرفُ بأنني آتي المحظورَ عمداً، وأنتهك تابوهات جدتي قصداً، وأن عليّ أن لا أفعل ما أفعله، ولكنني كنتُ ملتزمة بمشروعِ العصيانِ هذا حتى آخر قطرةٍ من دمي، وأردتُ - بكل بربريتي وطفولتي - أن أرى حدقتي فطوم تتسعان، نعم! أن تتسع حدقتاها بقدرِ المستطاع، وإن أمكن أن تقفز عيناها خارجَ وجهها لترتميا بين قدميّ، فأنا أودّ أن أرى ذلك أيضاً، وإن كان في الوسع جعلها تبكي وتركل الأرض وتضرب رأسها بالحائط، وتبرطمُ وتزبدُ، فسيكون ذلك من دواعي سروري وحبوري وبهجتي، ولحسن الحظ، أو ربما لسوء الحظ! جرى الأمر كما خططت تماماً: وقفتْ فطوم قبالتي مرتدية مريول الروضة الأزرق، وسألتني لماذا أنظر إليها بالطريقة التي أنظرُ بها إليها، واضعة يدها اليمنى على خاصرتها، باذلةً جهداً مفتعلا في هزّ وسطها ( على اعتبار أن لجسدها وسط! ) حتى راح جذعها الهزيل يهتز مثل خيزرانة، فتحيّنتُ اللحظة الملائمة، لحظةَ الحلم / لحظة الإيذاء، وأخبرتها بكل بجاحة بأن في جيبي قطعة شوكولاتة واحدة!

- واحدة؟
- واحدة!

.. وكلنا - في البيت الكبير - نعرفُ ماذا يعني ذلك! كلنا نعرفُ، بأنه إما أن تكون في جيبي ثلاث قطع شوكولاتة، أو صفراً.

عندما اتسعت حدقتا فطوم دهشة وذعراً (تماماً كما خططت) أضفتُ بأنها من أجل خطيبي وحبيب قلبي ونور عيني وروحي وحياتي وعمري فهّاد بن خالي علي! تلفظتُ باسمه مفتعلة كماً هائلاً من الغنج، كما تفعل حسناءُ الفيلم العربي عندما تنادي حبيبها: فؤاااد، فتغنيتُ بدوريِ: فهاااد! وأعجبني وقع الاسم وموسيقاه وقابليته للاستخدام في هكذا مواقف تتطلب أسماءً خاصة! وكنتُ قد سرحتُ في اسمه، جرسهِ وملاءمته لكل شيءٍ حتى .. حتى هجمت عليّ وطرحتني أرضاً، ثم تمددت فوق جذعي وهي تهرس قطعة الشوكولاتة بأصابعها، ويدها الأخرى تشدّ شعري إلى الخلف، لأن فطوم تستغل كل شجارٍ ينشب بيننا لكي تستكمل مشروعها في تحويلي إلى طفلة صلعاء.

صرختُ وناديتُ وبكيت وعندما نهَضَت من فوقي، ونهضتُ بدوري من على الأرض، كانت ملابسي قد توسخت بالغبار والككاو الذائب، فرمقتها بنظرتي المخيفة - التي أخبئها لهكذا مناسبات وأتدرّب عليها قبل النوم - فانقضضت عليها وطرحتها أرضاً، رفعتُ تنورتها عالياً لأكشف عن سروالها الداخلي العامر بالثقوب، عضضتُها بكل قوتي، غرزت أنيابي في طراوة لحم بطنها وأمعنت في الأمر حتى نتأت سرتها من ثقبها ( ولم تعد إليه منذ ذلك اليوم ) ..

.. أخذت فطوم تبكي وتضرب رأسها بالأرض، ثم حملتنا إحدى المدرسات بعيداً، بعد أن انتزعتنا بصعوبة من بين جمهورنا العريض من أطفال الروضة الذين تكدسوا في المشهد وأخذوا في الهتاف، تارة باسمي، تارة باسمها، ولاحقاً بأسماء لا علاقة لها بنا: نادي القادسية، ونادي برشلونه، وفيمَ أنا أُحمل بعيداً، منحتُ جمهوري بضع تلويحاتٍ من يدي .. يدي الوسخة بالغبار والككاو الذائب.


* * *

حملتنا المدرّسة معاً إلى غرفة الناظرة، هناك وقفنا قبالة مكتبها العريض، برأسٍ مطأطئة وكثيرٍ من الخوفِ لما تفاقمت إليه الأمور، كانت فطوم تنظر إلى الأرض ففاتها أن ترى الشعرة السوداء التي تطل من منخر الناظرة. كانت الناظرة سيدة شبه بدينة ترتدي معطفاً كحلي اللون، ونظارات سميكة بإطار بنيّ غليظ، وحجاباً أسود تلفه حول رأسها، وبدت لي - فيم عدا ذلك - بلا ملامح، لا شيء يشير إلى حضورها باستثناء المعطف والنظارات وشعرة أنفها، وصارت تحملق فينا بوجهٍ مصمت وفارغ، ثم سألتنا أخيراً، ما الأمر؟ فأخبرتها بالحقيقة: فطوم تريد أن تتزوج من فهادي، والكل يعرفُ بأنه خطيبي أنا!

احتجّت فطوم من فورها بأن فهاد قد أخبرها بأنه يحبّها أكثر منّي، فكيف يمكن أن يكون خطيبي أنا وليس خطيبها هي؟ رددتُ عليها بأنه أخبرها بذلك قبل أن يخبرني بأنه يحبني أكثر منها، فزعِمت بأنه فعل ذلك قبل أن يغير رأيه بصددي، وهكذا كانت كل واحدة منا تجتهد لكي تبرهن للأخرى بالدليل بأنها الأخيرة، المختارة، الناسخة التي تجب ما قبلها، حتى تحول الأمر إلى تراشق بالسباب والشتائم: كذابة! غشاشة! غبية! وما إلى ذلك، فصارت الناظرة تضحك منا، وبدت عيناها من خلف نظارتيها ضئيلتان ومخيفتان، أسنانها كبيرة ونظيفة، والشعرة السوداء تتدلى من أنفها وتهتزّ مع ضحكاتها، كانت شعرة أنفها القبيحة تضحك منّا! شعرتُ بالمهانة، ورأيتُ عيني فطوم تفيضان بالدمعْ فبكيتُ معها ولأجلها، بكينا بعضنا وإحساسنا العارم بالغربةِ والعاِر، بكينا بذاءة العالم وهو يضحكُ منا من خلال شعرةِ أنف، ولم أكن أفهم كيف يمكن أن تجد تلك الناظرة / الشعرة ما يُضحكُ في ألمي، أو في ألمِ فطوم، أو في ألمينا معاً، ونحن نوجّه اغترابنا صوبَ العالم بكل حسن نية!
أرسلتنا الناظرة إلى الفصل بعد أن جعلتنا نعتذر من بعضنا ومنها، ثمّ فتحت لنا علبة شوكولاتة ماكنتوش كانت تخبئها تحت مكتبها كمكافأة لنا على حسن اعتذارنا، وهمّت كلٌ واحدة بأخذ ثلاث حباتٍ: من أجل فهاد والأخرى ونفسها، ولكن الناظرة شجبت "جشعنا" وهمهمت بكلمات متبرمة حول تربيتنا السيئة وأصرّت " واحدة بس " ..

اخترتُ قطعة شوكولاتة مغلفة بقصدير أصفر، تشبه التي هرستها فطوم داخل جيبي، ولكن عندما انتقت فطومة واحدة حمراء فعلتُ مثلها وأنا أغلي غيظاً، (لماذا لم أنتقِ الحمراء أولاً؟ هل أنا عمياء؟!)، في رأسي ذو الخمسة أعوام: كان الأحمر هو ملكُ الألوان كلها، لأنه لون الفراولة والحب والدم.

في الطريق إلى الفصل تجاسرت فطوم وسألتني:
- مضاوي.
- نعم.
- شتسوّين لو قال فهادي إنه يحبني أكثر منك؟
- أتزوّج واحد ثاني.
- مثل منو؟
- مثل "نصّور"
- نصّور الأقرع؟
- هو يقول راح يطلع له شعرٌ بعدين.
- بس نصّور " أقرع " !
- " جسّوم " كان أقرع .. بس طلع له شعر.

بدت منشغلة الذهن، إذ لم يخطر لها بأن يكون عندي خطيب احتياطي، ذلك أمر لم تحسب حسابه، وأحببتُ أن أغيظها أكثر فأردفتُ:

- ناصر يعطيني دايما " الشيبس " الي تعطيه إيّاه أبلة نادية ..
- أبلة نادية الوكيلة؟
- ناصر ولد الوكيلة .. ما تدرين؟
- لا!
- وسيارتهم حمرااا ..

ثمّ رفعت قطعة الشوكولاتة ذات الغلاف الأحمر عالياً ولوّحت بها في الفضاء " مثل هذه!" .. وتساءلتُ " لماذا لم أفكّر بذلك من قبل؟! "

- بس فهادي أحلى ..
- لأنه ولد خالي علي.
- قولي الله يرحمه!
- الله يرحمه!
- وعنده " سيغا 2 " ..
- ويعرف يمشي على ايده.
- ويعرف تسع كلمات إنجليزية ..
- وحافظ سورة " والشمس وضحاها"!

حسناً، حسناً .. أعترف! لا أحد مثل فهاد بن خالي علي، لا أحد في هذه الدنيا قريب ولو قليلا من أن يشبهه، والمشكلة أنه لا يوجد منه في هذا العالم إلا واحد لا يقبل القسمة على طفلتين مشحونتين بهاجس الزواج، كان عالمنا - بقدرِ ما يسعني أن أتذكر - يتمحور حول فكرة واحدة مفادها أن التي تتزوج فهاد بن علي هي التي تفوز بالسباق! والآن فطوم غيرانة لأنني أوجدت لنفسي بديلاً عنه، إنها تريدني أن أنافسها ( أو ربما أشاركها ) حبه لأجل أن يستمر هذا الصراع القدريّ بيننا، إنها تذكرني بأسباب تغريني بالتمسك بموقفي إزاءه لكي لا تصبح رغبتها بالزواج منه بلا معنى، في ذلك الوقت، كان تقليد الواحدة للأخرى هو الطريقة الوحيدة لتجنب تفوقها، وهي لا تريد الزواج من فهاد بقدر ما تريد هزيمتي، لأنني غريمتها الأبدية، وصديقتها الوحيدة، وأختها التي لم تنجبها أمها أو أبوها، لا شيء يضاهي لذة الانتصار عليّ في النهاية!




message 2: by 15 (last edited Nov 02, 2009 03:21PM) (new)

15 صباح الخير والمسرّة ..
طب كيف أحصل على نسخة خاصة بي


message 3: by بثينة (new) - added it

بثينة العيسى خلال فترة قصيرة ستصبح الرواية متوفرة في مكتبة النيل والفرات، وسأضع إعلانا بذلك في بروفايلي وعلى موقعي الشخصي
http://www.Bothayna.net

شكرا لك


message 4: by A (new) - rated it 4 stars

A :

يآآآه !

بثنية .. مبدعة مبدعة مبدعة

ربي يحفظك

=)

قبل كل شيء هذآ الجزء رآئع جداً .. وشيق أكثر .. برآءة الدنيآ هُنآ

ممم .. عزيزتي أتلهف لإمتلآك نسختي
فهل ستكون في جرير أو أي مكتبة أخرى؟

أم أن النيل والفرات ستكون أول من يحظى بهآ ؟

..

دمتِ مبدعة ورآئعة كـأنتِ

ودي


message 5: by بثينة (new) - added it

بثينة العيسى
مرحبا أسماء.
أعتقد بأن النسخ ستكون متوافرة في فيرجن وذات السلاسل وربما في مركز سلطان ( حسب همة الدار! )
الأكيد أنها ستكون متوافرة أيضا في النيل والفرات، ولكنني لا أدري متى سيكون ذلك.

أشكر لك تشجيعك الحار والحميم يا غالية
بثينة


message 6: by بثينة (new) - added it

بثينة العيسى العزيزة Quiet

شكرا شكرا على إبهاجي بعفويتك :)



message 7: by بثينة (new) - added it

بثينة العيسى الرواية متوفرة في مكتبة النيل والفرات على هذا الرابط

http://www.neelwafurat.com/itempage.a...




Amani alahmed استمتعت جدا بقراءتها . وهذه بالنسبة لي اول رواية للعزيزة بثينة
وحتما لن تكون الاخيرة
كم نعاني منهذا التسلط الذكوري الذي صنع بيد امراة

يعطيج العافية بثينة

الرواية متوفرة في مكتبة افاق - الكويت


back to top