مقاله د. علاء الأسواني فى جريدة المصرى اليوم : متى يحترمنا الغرب ..؟!…

 


مقاله د. علاء الأسواني فى جريدة المصرى اليوم


2 اكتوبر 2012


متى يحترمنا الغرب ..؟!…


 


أكتب هذا المقال من مدينة كوزينسا في جنوب ايطاليا حيث جئت لاستلام جائزة البحر المتوسط للثقافة التى فزت بها لهذا العام ، الجائزة تنظمها مؤسسة كاريكال تحت رعاية وزارة الثقافة الايطالية وهي من الجوائز الأدبية الكبيرة في ايطاليا وقد حصل عليها قبلي أدباء عالميون بينهم كاتبان عربيان كبيران هما أمين معلوف والطاهر بن جلون . هذه الجائزة الرابعة لي من ايطاليا وهي المرة رقم 15 التى أفوز فيها بتكريم وجوائز على ا…لمستوى الدولي . يتكرر الأمر دائما بنفس الطريقة : رسالة أو اتصال تليفوني من لجنة التحكيم لتهنئك بالجائزة . لا وساطة ولا تربيطات ولا تبادل مصالح ولا ضغوط على لجنة التحكيم كما يحدث في مصر . الكاتب في الغرب يتقدم بنفسه الى الجوائز في حالة واحدة :اذا كان مبتدئا يكتب لأول مرة فتكون جائزته نشر أعماله ، عدا ذلك لا يتقدم الكاتب بنفسه الى الجوائز وانما يتم ترشيحه بطريقتين : اما بواسطة لجنة التحكيم أو بواسطة دور النشر التى نشرت أعماله . لجنة التحكيم التى اختارتني لجائزة البحر المتوسط تتكون من أساتذة أدب مرموقين في ايطاليا .عرفت من أحدهم (بطريقة غير رسمية ) أن التصفية النهائية تمت بينى وبين كاتب أسباني لكننى فزت في التصويت النهائي على المنافس الأسباني . في لحظة التكريم ، عندما أصعد الى المسرح لاستلام الجائزة تنتابني مشاعر قوية متباينة . أحمد الله عز وجل الذى أوصلنى الى هذا النجاح وأشعر بالفخر لأننى مصري عربي في مقام التقدير . ثم أفكر دائما في السؤال : ماذا نفعل لكى نقدم صورة جيدة محترمة عن العرب والمسلمين في العالم .؟!. لعل الاجابة تتلخص في الأفكار التالية :


 


أولا : معرفتنا بالغرب


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 


ماذا تفعل اذا كنت تعيش في بلد وقدر لك أن تسافر الى بلد آخر ..؟! ألا تسأل عن الجو في البلد الآخر لتأخذ مايناسبه من ثياب ..؟ ماذا لو اعتقدت ان البلد الآخر لابد أن يكون حارا مثل بلدك وسافرت بثياب خفيفة لتجد البلد الآخر مغطى بالجليد ..؟


 


ألا يعتبر هذا تصرفا أحمق ..؟! نحن نرتكب هذه الحماقة دائما في تعاملنا مع الغرب.. كثيرون منا يتعاملون مع غرب نظري افتراضى لايوجد الا في أذهانهم .. كل يوم تكتب عشرات المقالات وتلقى عشرات الخطب في العالم العربي لتؤكد أن الغرب يعادي الاسلام ..


 


وكثيرا ما نعتبر هذه المقولة حقيقة نبني عليها تصرفاتنا وافكارنا . تعلمت وعشت في الغرب سنوات واكتشفت ان الغربيين في تعاملهم مع العرب والمسلمين ينقسمون الى ثلاثة أنواع : الحكومات الغربية وهي غالبا انتهازية استعمارية لا تعبأ الا بمصالحها وقد دعمت دائما الحكام العرب المستبدين وتغاضت عن جرائمهم في حق شعوبهم من أجل الحصول على النفط ومضاعفة أرباح الشركات العملاقة ،


 


هناك أيضا غربيون متعصبون عنصريون كارهون للعرب والمسلمين ولكل الأجناس ما عدا الجنس الأبيض .. أما القسم الأكبر من الغربيين فهم بشر عاديون لا يختلفون عنا في شيء الا في الدين ولون البشرة وتسامحهم في العلاقات الجنسية خارج الزواج . هؤلاء أغلبية الغربيين وهم عادة ما يجهلون كل شيء عن الاسلام كما يجهل معظمنا ، نحن العرب ، كل شيء عن البوذية أو الهندوسية.


 


كيف تم تقديم الاسلام لهولاء الغربيين ؟ الاجابة مؤسفة ..


 


فقد قدم أسامة بن لادن وأتباعه من المتطرفين الذين يقتلون الأبرياء صورة مشوهة للاسلام حتى صار غربيون كثيرون يعتقدون ان الاسلام دين العنف والقتل بل ان كلمة " شريعة " صارت تستعمل في اللغات الغربية بمعنى قطع اليدين وذبح الناس بالسيوف وصارت كلمة "جهاد " في الغرب تعنى القتل.


 


لقد تشوهت صورة الاسلام في ذهن ملايين الغربيين من جراء جرائم بعض المسلمين الارهابيين ..ماذا ننتظر وبيننا من يعتبر القاء القنابل على مدنيين أبرياء آمنين نوعا من الجهاد يتقرب به الى الله .قد يعترض البعض على كلامي قائلا :


 


لماذا تتحدث عن ارهاب بن لادن ولا تتحدث عن جرائم الجيش الامريكي في العراق وأفغانستان ..؟


الاجابة أن واجبنا أن ندين قتل الأبرياء بغض النظر عمن قتل من ، كما ان المسئولية الانسانية يجب أن تكون فردية لا جماعية . فالذين قتلتهم القاعدة في مدريد و نيويورك ليسوا مسئولين عن جرائم الجيش الأمريكي والا ، بنفس المنطق ، سيصبح كل عربي في الغرب مسئولا عن مذبحة 11 سبتمبر . ..


 


ان أصوات المعترضين في الغرب على جرائم الجيش الامريكي كثيرة وعالية ولولا الاعلام الغربي لما عرفنا شيئا عما يحدث في معتقلات ابوغريب وجوانتامنو بل ان المظاهرات المعادية للحرب على العراق في العواصم الغربية كانت أكبر من تلك التى قامت في العالم العربي . لا يجوز أن نواجه الجريمة بجريمة مثلها وكل من قرأ التاريخ يعلم أن المسلمين الأوائل لم يردوا على جرائم أعدائهم بجرائم مماثلة بل كانوا في عدلهم وتسامحهم يقدمون نموذجا اسلاميا حضاريا أقنع ملايين الناس باعتناق الاسلام ويكفى هنا أن نقارن بين تسامح المسلمين مع أقباط مصر عند فتحها والمذابح البشعة التى قامت بها الجيوش المسيحية بدعم الكنيسة الكاثوليكية ضد المسلمين واليهود بعد سقوط الأندلس .. ان قتل الأبرياء جريمة بشعة لا يمكن تبريرها اطلاقا وهي تنسف شرعية أية قضية حتى لو كانت عادلة ..


 


منذ أعوام فزت بجائزة برونو كريسكي في الأدب وتسلمتها من مستشار النمسا (رئيس الوزراء ) فألقيت كلمة أمام الحضور ( وكلهم أجانب ) قلت فيها ان الرسول صلى الله عليه وسلم علمنا الحق والعدل والحرية والمساواة وحكيت لهم كيف كان الرسول (ص ) يسجد للصلاة فاذا قفز على ظهره حفيداه الحسن والحسين يلهوان ظل ساجدا حتى يفرغا من اللعب .. ثم قلت : كان الرسول يوقف صلاته لئلا يزعج الاطفال فهل يعقل أن رجلا بهذه الرقة يوافق على قتل الأبرياء بقنبلة في مطعم أو محطة قطار .؟!. أذكر أن الحضور صفقوا طويلا وجاء الى كثيرون يسألونني عن مصادر جيدة ليقرأوا فيها عن الرسول الكريم وأعماله . قبل أن نلوم الغربيين على خوفهم من الاسلام علينا أن نسأل أنفسنا أية صورة قدمناها لديننا ..؟! …


 


 


ثانيا : النوابغ والمبدعون


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 


النظام في العالم الغربي ، غالبا ، يعطيك الفرصة للتفوق ويمنحك حقك في التقدير حتى ولو كنت قادما من ثقافة أخرى . لدينا علماء كثيرون بارزون في الغرب لكن حكوماتنا فشلت في الاستفادة من خبراتهم ونجاحهم ولدينا في مصر والعالم العربي مبدعون كبار لايعرفهم الغرب لو ترجمت أعمالهم وقدمت بطريقة صحيحة سينالون التقدير الذى سيحسن كثيرا من صورتنا . ان فيلما واحدا على مستوى عالمي سيفيد العرب والمسلمين أكثر بكثير من الخطب الرنانة التى نلقيها على أنفسنا ولا يسمعها سوانا .السؤال : من الذى أفاد الاسلام أكثر ؟! أحمد زويل ونجيب محفوظ أم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ..؟ هل الأفضل أن نقدم ثقافتنا الى العالم عن طريق النوابغ في العلوم والآداب أم نقدمها عن طريق مجموعة من القتلة .؟!.


 


ثالثا : حقوق الانسان


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 


قطعت الانسانية شوطا كبيرا حتى توصلت الى مجموعة من الحقوق الأساسية للبشر تشكل جوهر الحضارة ، كل من يعتدى على حقوق الانسان يتحول الى همجي . الغريب أن الاسلام قدم حقوق الانسان قبل الغرب بقرون لكن بعض المسلمين يعتدون الآن على هذه الحقوق… لدينا مشايخ متطرفون يعتبرون أن من حق الزوج أن يضرب زوجته ليؤدبها ،وهم يحاولون تجميل هذه الفكرة قائلين ان ضرب الزوجة يجب الا يكون مبرحا . ان ضرب الزوجات يخرجنا فورا من دائرة الحضارة لان المرأة انسان وضربها يهدر كرامتها ويقضى على احترامها لنفسها . . هناك مشايخ ينادون بزواج البنات بمجرد بلوغهن حتى ولو كن في سن العاشرة . هذه الدعوة الشاذة المنحرفة تعتبر أن المرأة مجرد أداة جنسية بلا أحاسيس ولا ارادة ولا ادراك ، مجرد ماكينة جنس يستعملها الرجل لقضاء لذته حتى لو كانت طفلة بريئة .. ان كل من يعاشر طفلة جنسيا مجرم و مريض نفسيا وبالتالي يجب أن يقبض عليه ويحاكم ثم يعالج في السجن وقد أثبتت دراسات موثوقة ان الرسول الكريم قد تزوج السيدة عائشة وهي في التاسعة عشر أو نحوها لا في سن التاسعة كما يشاع .. بعض المتطرفين يصرحون باحتقارهم للاثار المصرية الفرعونية العظيمة وبكراهيتهم الشديدة للفنون وهم عاجزون عن الخيال وتذوق الفن وهم يحرمون الموسيقى ولديهم من الجهالة ما يدفعهم الى اعتبار الممثلين فاسقين والممثلات عاهرات .. كل هذه الآراء المتخلفة الهمجية عندما تترجم وتذاع في أنحاء العالم انما تؤكد بكل أسف الصورة السيئة للاسلام في أذهان الغربيين .


 


رابعا :ما نقدمه للعالم


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 


معظم الدول العربية والاسلامية تعيش عالة على الغرب . هذه حقيقة مؤسفة . لقد توقفنا عن اضافة أى شيء الى الانسانية منذ قرون . لدينا آلاف العلماء النوابغ لكنهم اما يعملون في جامعات الغرب أو أنهم في بلادهم عاجزون عن العطاء بسبب الاستبداد والفساد والبيروقراطية . الدول العربية كلها لا تقدم شيئا للعالم لاصناعة ولازراعة ولابحث علمي ولا اى شيء . حتى الدول النفطية الثرية يقوم حكامها بوضع ثرواتهم في البنوك الغربية وبدلا من أن يعملوا على احداث نهضة حقيقية بأموال النفط يشترى كثيرون منهم مجهود الاخرين فيستقدمون الناس من كل الجنسيات ليعملوا بدلا منهم بينما يستمتعون بحياة فارغة الا من اقتناص اللذات .. . كيف يحترمنا العالم ونحن في 22 دولة عربية عاجزون عن صناعة أى شيء يفيد الانسانية .؟!. المتطرفون الذين يلعنون الغرب من فوق المنابر يصيحون في ميكروفونات مصنوعة في الغرب ويؤدون الصلاة على سجاجيد مصنوعة في الصين ويعيشون حياتهم كلها يستعملون أدوات الحضارة الغربية التى يعادونها . لن يحترمنا العالم الا اذا قدمنا بحثا علميا جادا وقمنا بتصنيع احتياجاتنا لنساهم بجدية وفاعلية في التقدم الانساني .


 


 


لقد قدم الاسلام الى الانسانية حضارة عظيمة اشترك في بنائها المسلمون والمسيحيون واليهود وقادت الدنيا لمدة سبعة قرون وأسست لقيم المحبة والعدالة والرحمة لكن بعض المسلمين يسيئون الى دينهم بأنفسهم .اذا أردنا ان نصلح صورة الاسلام فيجب أن ندرك ان الصورة لن تنصلح الا باصلاح الأصل . يجب أن نعمل ونتقدم ونحترم الحقوق الانسانية حتى يحترمنا العالم


الديمقراطية هي الحل


 


العنوان الإليكتروني


[email protected]

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 03, 2012 03:20
No comments have been added yet.


Alaa Al Aswany's Blog

Alaa Al Aswany
Alaa Al Aswany isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow Alaa Al Aswany's blog with rss.